البهائيون العرب: الخروج الصعب إلى الشمس

في مثل هذا الوقت من كل عام يحتفل البهائيون في أنحاء العالم بذكرى ميلاد مؤسس ديانتهم بهاء الله. فما هي الديانة البهائية ومن هم البهائيون؟

ليست جلسات الدعاء البهائية طقساً سرياً، ويمكن لمعتنقي الديانات الأخرى المشاركة بها. دخلت “بي بي سي” قبل أسابيع بيتًا بهائيًا في المنصورية إحدى بلدات المتن (جبل لبنان)، حيث تحلّق بهائيون في جلسة دعاء للصلاة على نيّة عروس تستعدّ لزواجها، يرافقهم أصدقاء من ديانات أخرى. إلى جانب الأدعية والترانيم البهائية، سمعنا ترانيم تتلى عادة خلال الصلوات المسيحية.

ذلك أمر عاديّ بالنسبة لأتباع مؤسس الديانة بهاء الله (1817-1882). وتفرض تعاليم البهائية الإيمان بوحدة الأديان، وبأنّ الأنبياء والمرسلين على مرّ العصور، مظاهر متتابعة لرسالة ربانية واحدة “وانعكاس لخطّة يتابع الله كشفها وفقًا للغة ومفاهيم وحاجة كلّ عصر”. لهذا يؤمن البهائيون بكلّ الأنبياء والمرسلين السابقين لبهاء الله، ويعتقدون أنّ مؤسس ديانتهم هو “صاحب الرسالة الإلهية والمربي الروحي الخاص بأهل هذا الزمان”. فالبهائية ديانة فتية لم يمض على تأسيسها أكثر من 175 عامًا.

بدأ التبشير بالديانة الجديدة عام 1844 في مدينة شيراز الإيرانية، على يد علي محمد الشيرازي الملقب بالباب (1819-1850)، خلال حكم السلطنة القاجارية (1779-1925). أعلن الباب أنّه المهدي المنتظر الذي بشرت به الأديان كافة، وقال إنّه الممهّد أو المبشّر بقدوم “الموعود” أو “من يظهره الله”. بدأ الباب بجمع الأتباع، ما أزعج السلطات الدينية والسياسية حينها، فحكم عليه بالسجن ثمّ أعدم عام 1850.

في وثائقي بعنوان “طليعة النور” أعدّ قبل عامين بمناسبة مرور 200 عام على ميلاد الباب، يربط البهائيون بين الشرارة الأولى لديانتهم، وبين بثّ أول رسالة بشيفرة مورس التي قلبت عالم الاتصالات، منتصف القرن التاسع عشر.

بحسب اعتقادهم، يشكّل ذلك دليلًا على أنّ رسالة البهائيين جاءت لتتناسب مع روح العصر الراهن وسرعة الاتصال والتواصل. وبما أنّ تقنية الاتصالات جعلت من العالم قرية صغيرة، فإنّ ذلك جاء ليسهّل من إتمام هدف البهائية الأساسي، وهو وحدة العالم الإنساني، ووحدة المصير المشترك للبشرية.

يسود اعتقاد خاطئ أنّ البهائية طائفة من الطوائف الإسلامية، لكنها في الواقع ديانة قائمة بذاتها، تجمع في تعاليمها ملامح عرفانية وروحانية.

لا تعترف معظم الدول العربية بالبهائية، مع استثناءات قليلة، حيث يحقّ للبهائيين ممارسة عقيدتهم والمجاهرة بها. مرّ البهائيون عبر تاريخهم بمراحل اضطهاد عدّة في مصر، والمغرب، والعراق، وصولًا إلى اليمن، في حين كانت دول أخرى مثل لبنان والأردن أكثر تسامحًا معهم، وإن لم تعترف بديانتهم. في العراق مثلًا، تعرّض البهائيون للتضييق خلال حكم صدام حسين، ثم عادوا لممارسة شعائرهم علنيًا بعد سقوط نظامه عام 2003. في المغرب مطلع الستينيات، حكم على ثلاثة بهائيين بالإعدام وعلى غيرهم بالسجن والأشغال الشاقة، ثم صدر عفو ملَكيّ عنهم، بعد “تدخلات دبلوماسيّة”.

بعد إعدام الباب، برز من بين أتباعه حسين علي نوري المعروف ببهاء الله مؤسِّس الديانة البهائية، وأخوه ميرزا يحيى نوري، المعروف بصُبح أزل، مؤسس الديانة الأزلية. نشأ الأخوان غير الشقيقين في عائلة دبلوماسية معروفة من أعيان طهران، ويقال إنّ منافسةً نشبت بينهما حول خلافة الباب.

اتّهم الأَخَوان نوري بالتورّط بمحاولة فاشلة لاغتيال الشاه عام 1852، وسجن بهاء الله. تحوّلت أشهر السجن إلى مرحلة مفصليّة في الديانة البهائية، لأنّها تمثّل بداية نزول الوحي على بهاء الله، بحسب المعتقدات البهائية. أفرج عن المبشّر بالديانة الجديدة من دون محاكمة، ونفي من إيران، واستمرّ منفاه لأربعة عقود، بدءًا من بغداد عام 1853، ثم اسطنبول، فأدرنة. انتهت رحلة نفي بهاء الله في عكا حيث سجن لسنوات، وبقي فيها حتى وفاته، ولا يزال ضريحه قائمًا في المدينة إلى اليوم. أوصى بهاء الله بتعيين ابنه عبد البهاء (1844-1921) وليًا على البهائيين، ويعدّ بدوره شخصية مهمّة عندهم، وترفع صوره في منازلهم، عوضًا عن صور أبيه، احترامًا لمقام الأخير.

كتب بهاء الله خلال سنوات منفاه وسجنه مجلّدات وكتب كثيرة معظمها باللغة العربية، يستعين بها البهائيون في جلسات الدعاء والتأمّل الضرورية في حياتهم. تتقاطع الشرائع البهائية في مواضع كثيرة مع الشرائع الإسلامية، إذ تفرض الصلاة وفقًا لثلاثة مواقيت: صلاة كبرى تؤدّى مرة كلّ 24 ساعة، صلاة وسطى تؤدّى يوميًا في الصباح والظهر والمساء، والصلاة الصغرى تؤدّى مرة كلّ 24 ساعة عند ساعة الظهر. كما يفرض الصوم بدءًا من سنّ الخامسة عشرة، لشهر بهائي كامل.

تتألف السنة في التقويم البهائي من تسعة عشر شهراً كلّ منها تسعة عشر يوماً، وسميت بحسب أسماء الله الحسنى. يضاف إليها أيّام “الهاء” (4 أيام في السنة العادية و5 أيام في السنة الكبيسة)، وتقع بين الشهرين 18 و19، لتوائم السنة الشمسية. تعدّ هذه الأيام بمثابة أيام فرح وتقام فيها الولائم ويتبرع فيها البهائيون للفقراء. يبدأ شهر الصوم، ويسمّى شهر العلاء، مع نهاية أيام الهاء (2 آذار/مارس) وينتهي بعيد النّيروز (21 آذار/مارس)، وهو رأس السّنة البهائيّة، ويوم الاعتدال الربيعي.

تفرض البهائية على أتباعها كتابة الوصيّة، وتحرّم الكحول لأنّه يسبب الأمراض، وكذلك الأفيون والعقاقير المهلوسة (أو أي شكل من المخدرات والمسكرات). كذلك تعدّ المساواة التامّة بين الرجال والنساء من أبرز تعاليم الديانة، إلى جانب التعليم الالزامي للأطفال، ولا تحرّم الزواج من أديان أخرى.

المرجعية العليا للدين البهائي “بيت العدل الأعظم” في حيفا. شيّد ذلك المقرّ بعد وفاة مؤسس الديانة، وبطلب منه، لينظّم شؤون البهائيين الإدارية. يعدّ “بيت العدل الأعظم” المرجع لجميع المحافل البهائية المركزية حول العالم. ففي كلّ بلد يتواجد فيه البهائيون، ينتخبون هيئة تمثيلية من 9 أعضاء، وتنتخب الهيئات التمثيلية الأعضاء التسعة لـ”بيت العدل الأعظم” بشكل دوريّ.

Leave a comment